جـميع المواد المنشورة في هذه المدونة تـخـضع لقوانين حـماية حـقوق الملكية الفكرية وأي نـقـل أو إقتباس دون ذِكـر المصدر قـد يُعرضـُـك للمسائلة القانونية - ما أكتـُـبه في هـذه المدونة قـد لا يعـني لك شيئاً ،، لكنهُ بالتأكـيد يعني لـيّ الكثــير ...................ء

الخميس، 3 يناير 2013

عن أوديب والشعب المصري



استوحى سيجموند فرويد مفهوم " عقدة أوديب " من أسطورة أوديب الإغريقية، وهي عقدة نفسية تُطلق على الذكر الذي يحب والدته ويتعلق بها ويَـغير عليها حتى من أبيه ويكرهه.
مُلخص الأسطورة يقول أن العراف قال لملك طيبة آنذاك بأنه سيقُتل بيد ابنه ، وفي ذلك الوقت كانت زوجته  (جوكاستا) حاملًا فلما ولدت اوديب أمر الملك بأن تـُـدق مسامير في أقدام الوليد ويُرمى فوق الجبل ولهذا السبب جاء اسمه ( أوديب ). وهكذا دُقت المسامير ورُمي فوق الجبل فوجد الرعاة ذلك الطفل على تلك الحالة فأخذوه إلى ملك ( كورنـثـيا ) الذي تولى تربيته كما يُربى الأمراء، ولما كبر ( أوديب ) أراد أن يعرف موطنه ومولده ولكن العراف لم ينصحه بذلك، أي العودة إلى بلاده وقال له أن هناك خطر ينتظرك وستقتل أباك وتتزوج أمك، ولم يأبه ( أوديب ) بذلك وقرر أن يغادر ( كورنثيا ) ويذهب إلى طيبه موطنه الأصلي ، وفي الطريق صادف رجلًا تشاجر معه واشتدت المشاجرة حتى قتله، ولكنه لم يعرف أنه قتل أباه. ذهب ( أوديب ) إلى طيبة وفي ذلك الوقت كان ( السفينكس ) ذلك الحيوان الذي له رأس امرأة وجسم أسد وجناحا طائر يقسو على أهالي طيبة ويعذبهم اشد العذاب. وإن الآلهة أرسلت ( السفينكس ) إلى طيبة ليسأل الناس ألغاز ومن لم يحل تلك الألغاز يقتله. دفع هذ ا الوضع ( كربون ) خليفة الملك ( لايوس ) أن يعلن للناس بأن كل من يٌخَلِص البلد من محنتها التي يسببها لها هذا المخلوق الشرير سيتولى العرش ويتزوج أرملة الملك ( لييوس ) الملكة الجميلة (جوكاستا) ، وعندما دخل ( أوديب ) المدينة قابله ( السفينكس ) وألقى عليه ذلك اللغز الذي يتضمن : ( ما هو الحيوان الذي يمشي على أربعة صباحًا، وعلى اثنين ظهرًا، وعلى ثلاثة مساءًا ؟ ) أجاب ( أوديب ) على هذا السؤال وذلك بقوله أنه الإنسان، أي عندما يكون طفلًا يحبو على أربعة وعندما يكبر يمشي على اثنين، وعندما يشيخ يستعين بالعصا أي انه يمشي على ثلاثة. هناك روايتين إحداهما تقول عندما سمع ( سيفينكس ) هذا الجواب انتحر، وأخرى تقول أن ( أوديب ) قتله. ونتيجة لذلك صار ملكًا على طيبة وتزوج الملكة (جوكاستا) دون أن يعرف بأنها أمه وأنجب منها طفلة واحدة، عندها جاء العراف وأبلغه بالحقيقة فعندما عرفت زوجته التي هي أمه الحقيقة شنقت نفسها، أما ( أوديب ) فقد فقع عينيه وغادر طيبة مع ابنته التي ولدتها أمه وهام ليعيش بقية حياته في البؤس .
انتهت الأسطورة
استعيد تلك الكلمات في ذهني وأنا اتخيل الشعب المصري، هل هو مُصاب بتلك العُقدة فعلاً ؟!! هل يَعتبر الشعب المصري هذا الوطن أمه ويكره أولئك الأزواج الذين يأتون كل فترة ليعقِدوا عليها ويحكموها ويَـغير عليها منهم ؟!!
هل يصل كرهك لزوج أمك التي تحبها  إلى حَــدّ قتله ؟! تلك الأم التي ما إن تتزوج حتى ينتفض جزء من ذلك الشعب ويبلغ به حدّ كُـره زوج الأم والغيرة عليها منه إلى مُحاولة التفرقة بينهما، وإن فـشل في التفرقة فلا حل سوى قتل ذلك الزوج ،تارةً رميًا بالرصاص وتارةً بدَسّ السُم في طعامه.
هل تستمر عُقدة أوديب تطارد الشعب المصري ليُفاجأ بأن وطنه بلا زوج شرعي يحميها ويوفر لها الأمان ؟ هل يستمر في التذمر ورفض أي حاكم يأتي ليحكم وطنه بدافع حبه وخوفه عليه ؟! وإلى متى ؟!!
تشتت تفكيري عندما لاح في خيالي مشهد الإحتفالات بفوز الرئيس الأخير في تلك المنافسة التي كانت بينه وبين زوجٍ آخر وقد فاز بها الأول وتم عقد القرآن في احتفالية مَهيبة.
هل يحتفل الشعب بزواج وطنه من رئيسه الجديد ثم ينقض بكل قوته على اكتافه ليقضي عليه ؟!! ماهذا التناقض ؟!!
اتضح لي في النهاية أنها ليست مجرد عقدة أوديب أصيب بها الشعب المصري، ولكنها عقدة من نوع آخر، ليس الموضوع مجرد كُـره لأي رئيس يأتي ليعقد على وطنك ويحكمه، مشكلة الشعب المصري في أن من يأتي ليحكم وطنه لابد أن يحكمها بالحُسنى، يوفر لها الأمان، الطمئنينة، الحياة الكريمة، بعيدًا عن المشاكل والخلافات، والمصالح الذاتية، مع كل عَـقـد جديد لحاكم جديد يحتفل به شعبه طامحًا في تلك الحياة الكريمة الآمنة التي وعد بها هذا الحاكم الجديد، وما إن يكتشف خُبث النوايا وزيغ الوعود، حتى ينتفض وينقلب عليه ليذكره بمن سبقوه.
لابد لكل حاكم يأتي ليحكم مصر أن يعلم جيدًا أن هناك عقدة متأصلة في الشعب المصري لن تسمح لأي أحد أن يمس وطنه الذي يعتبره أمه بسوء، أو أن ينهبها ويسرق خيراتها ثم يرميها تجوب شوارع العالم عارية تنهشها عيون المارة،
على كل حاكم يأتي ليحكم هذا الوطن أن يتقي الله في زوجته،
أو ليستعد لمواجهة أعراض تلك العُقدة من أبناءها.


نُـشر هذا المقال على موقع " كلامنــا " بتاريخ 02/01/2013
http://kalamna.net/?p=1306
أحمد الدسوقي
02/01/2013