جـميع المواد المنشورة في هذه المدونة تـخـضع لقوانين حـماية حـقوق الملكية الفكرية وأي نـقـل أو إقتباس دون ذِكـر المصدر قـد يُعرضـُـك للمسائلة القانونية - ما أكتـُـبه في هـذه المدونة قـد لا يعـني لك شيئاً ،، لكنهُ بالتأكـيد يعني لـيّ الكثــير ...................ء

الثلاثاء، 10 يوليو 2012

وجهــها



ماشياً هو وأولاد عمه على طول الطريق الذي تـَحُـفه الأراضي الزراعية ؛ يتبادلون أطراف الحديث ؛ حديث يليق بعمرهم الذي لم يتجاوز السادسة عشر ربيعاً ؛ لم يكن قد اجتمع بهم منذ عدة أشهر ؛ أصبحت زيارته لقريته التي ترجع أصوله إليها مجرد واجب روتيني يفعله مرتين في العام لتهنئة أقاربه بالعيد تفادياً لتوبيخات والده والاتهامات التي تنهال عليه بقلة أصله وعدم ولائه لأهله لمجرد أن ذهابهِ إلى قريته لم يعد محبباً إليه.
يذكر أنه عندما كان يحمل الثمانية أعوام من عمره كان على استعداد أن يقضي شهراً كاملاً وسط كل هذه الأراضي الزراعيه والفلاحين من أهله دون الاحساس بأي ملل بل على العكس ستكون من أفضل الاشهر التي يقضيها.
تـُرى هل تغيرت شخصيته فبات ينظر إلى القرية بشكل مختلف؟
أم أنه كبر وتغيرت اهتماماته فلم يعد مجرد لعب الكرة وركوب الدراجة طوال النهار وذهابه إلى الأراضي الزراعية لقطع كيزان الذرة وشويها على بقايا الحطب هو مبتغاه؟
أم أن تمَدُّن قريته ومحاولة أهلها الوصول بها إلى مستوى المدينة أفقدها رونقها الذي جذبه يوماً من الأيام؟

مازال يذكر حُـبَه الطفولي لقريته
مازال يذكر تلك الليلة وهم يتسكعون بعد منتصف الليل بساعة ، كانوا ثلاثة هو رابعهم ،  يستمع لحديث ابن عمه (المِخَلّص) الذي يحكي بكل حماس عن فتاته التي يعجبه لباس المرحلة المتوسطة عليها أكثر من المرحلة الابتدائية،
يذكر جيداً ذلك الظلام الذي حاك الطريق الذي خلا من أي وسيلة إنارة الا من عمود اضاءة عمومي حاول جاهداً بث الأمان في قلوب المارة في هذا الوقت المتأخر من الليل لكنه بالتأكيد فشل،

يذكر جيدا أنه كان أول من رآها
وسط الظلام
تبين بصعوبة جلستها على الأرض وهي تـثـني رجليها وتدفن رأسها بين ركبتيها
توقف فجأة مما جعل الآخرون يلّحظونها
ابتعد ثلاثتهم
لم يكن أشجعهم ، لكن خوفه من أن تكون في حاجة إلى مساعدة جعله يتركهم يبتعدون ويقترب هو منها،
على ضوء العمود الخافت رأى بعض تفاصيلها
فتاة في الثامنة عشر من عُمرها وربما أوائل العشرينات،
رآها بعد ذلك في طفلة فيلم "The Ring" بنفس الشعر الأسود الطويل الذي تغرقه المياه ، بنفس الرداء الأبيض البالي الذي يكشف عن ذراعيها (وقد كان وجود فتاة بذراع وشعر مكشوفين في هذا الوقت من الليل يعد جريمة في أي قرية تحترم نفسها)
اقترب منا بحذر وسط تحذيرات من معه
اقترب أكثر
بصوت عالي سألها : فيكي حاجة؟!!
لم تجبه ، ولم تهتز لها شعره حتى أنه ظن انها لم تسمعه
تقدم خطوة أخرى نحوها
عندما اقترب منها لاحظ ذراعها الذي تملأه الندوب والذي تلون بلون أبيض يميل إلى الزُرّقة كجسد سُرقت منه آخر قطرة دم كانت فيه.
حاول رؤية وجهها لكنها كانت تدفنه بين ركبتيها،
سمع منها صوت أنين لم يـتـبـيـنه
أم أنه صوت بكاء مكتوم؟!
أخفض صوته وسألها : انتي كويسة ؟
لم يكن يتوقع اجابة،
ولم ينتظرها حتى تجيب،
بدأ يتراجع ببطء إلى الخلف وسط توسلات من معه واجزامهم أنها (عفريته) ،
ظل يتراجع  ووجهه إليها ، فلم يكن ليعطي هذا الشئ ظهره وهو مازال يصدر هذا الصوت الأقرب مايكون إلى استغاثة غريق من أعماق البحر،
لوهلة جاسَ في خاطرة ماذا لو رفعت رأسها الآن ونظرت إليه؟ بعد ما رآه لم يكن يعتقد أن وجهها هو ذلك الوجه الذي تتمنى أن تراه فيهذا الوقت بالذات ، عندما لاح هذا الهاجس في خاطره اسرع خطواته ليبتعد عنها ، حاول اخفاء تلك الرعشة التي اعترته وهو يتراجع بظهره عندما قبض على ذراعه أحدهم  قائلاً : يلا ياعم نمشي من المكان ده.
أسلم ذراعه لقبضة ابن عمه وسار معهم.

لا يعلم لماذا تذكر هذا الموقف الآن
لكنه كلما تذكر شكل تلك الفتاة وجلستها والصوت الذي كان يصدر منها سأل نفسه
ماذا لو كانت رفعت وجهها ونظرت إليه ،، تـُــرَى

 ماذا كان سيرى ؟!!!




أحمد الدسوقي
10/7/2012